لقد شهدت الأسرة الإماراتية خلال العقدين الأخيرين تطوراً ملحوظاً على مستوى مؤشرات جودة الحياة ، ومع جسامة هذا التطور كثرت التحديات التي تواجهها الأسرة وخاصة في ظل اتساع شبكة الفضاء المعولم . وكثافة الزخم الإعلامي الوافد عبر الفضائيات والانترنت ، وبات الواقع اليوم والشواهد والأرقام تؤكد – وللأسف – على وجود بدايات خطيرة للتفكك والإنهيارالأسري في مجتمعاتنا فبدأت تطفو على السطح الكثير من المشاكل الأسرية الناجمة من الانفتاح السلبي ، وضعف الاحترام لرابط الزواج كعقد شرعي من قبل البعض من الأزواج والزوجات ، ولجأوا إلى الطلاق لأتفه الأسباب . وظهرت البيوت الفندقية كظاهرة عصرية ، فالكثير من البيوت أشبه بفنادق للإيواء في أوقات الراحة فقط!!. وانتقلت مهمة تربية ورعاية الأولاد الصغار للخادمات والمربيات والسائقين ، في ظل انشغال الأبوين في العمل الوظيفي على الرغم من الرفاهية الاقتصادية ، فالتماسك الأسري هو منظومة من العلاقات المتناغمة القائمة بين أفراد الأسرة والتي تحقق شروط الدفء والأمان ، مشكّلة الدافع الذي يوجه أفرادها نحو الطمأنينة والإبداع وبما يحقق الراحة النفسية لأفرادها ويحميهم من مؤثرات الانحراف ، فالأسرة هي وحدة التكوين الأولى للمجتمع ، وبتماسك هذه الوحدة يتحقق تماسك المجتمع وتستقيم أموره ، ومن هنا جاءت مبادرة ادارتنا برفع شعار حماية الأسرة وسلامة تكوينها مسؤولية مشتركة تتحملها مختلف مكونات المجتمع المدني من خلال تشخيص مشاغل الأسرة والاحاطة بها ، بشكل يضمن تماسكها وأمنها .
وقد شارك في الملتقى المذكور عدد من الاختصاصين في المجالات الاجتماعية والنفسية والثقافية لبيان مدى تأثير التطور الحاصل في مناحي الحياة والرفاهية الحالية على العلاقات الأسرية وقد طرحت ضمن المحور الأجتماعي ورقتي عمل الأولى“الأسرة والتحديات التربوية”للدكتورة منى البحر اشتشارية ….. والتي مؤكدة أن الأسرة الإماراتية المعاصرة تواجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية التي تجعل تربية الأبناء اليوم من المهام الشاقة . فلم تعد تربية الأبناء في مرحلة العولمة التي نعيشها اليوم مهمة سلسة وسهلة بل هي مهمة تحتاج لكثير من المهارات والمعارف والإمكانات الشخصية والعقلية لتؤهلهم ليكونوا قادرين أن ينجحوا في مشروع الوجود أو الحياة وأن يكون وجودهم متميز وقادر على الصمود في زمن تنسف فيه كل المرجعيات وينعدم فيه اليقين ، وقد حصرت الباحثة أهم التحديات التي تواجه الأسرة متناولة المعالجات العلمية لها وبما يتناسب وواقع حياتنا اليومية وهي كالأتي :
- التغير في الأدوار التقليدية المتعارف عليها فلم تعد المرأة هي سيدة المنزل وراعيته ولم يعد الرجل هو الرجل التقليدي المسئول بشكل مباشر عن توفير الجانب المادي .
- تغير المرجعيات في داخل الأسرة وفي داخل المجتمع ككل ( دينية كانت أم اجتماعية أم ثقافية) .
- تغيير الأنماط السلوكية الفردية والمجتمعية .
- تغيير نوع المهارات والقدرات التي يتطلبها المجتمع في جيل اليوم .
- تغير النسق القيمي .
- الهيمنة الثقافية .
وفي ختام الورقة أكدت الدكتورة منى البحر على ضرورة تبني الأسرة المعاصرة اذا أرادت لأبنائها الصمود في عالم العولمة شديد التنافس ، أن تعمل على غرس مجموعة من الكفاءات الأساسية التي ليست فقط ضرورية بل بدونها لن يكون لهؤلاء الأبناء وجود يذكر . أهم هذه الكفاءات ما يلي :
- كفاءة المعرفة وثقافة الإنجاز .
- الكفاءة الاجتماعية .
- الكفاءةالنفسية .
- الكفاءةالعملية وثقافةالعمل .
- التجذرالثقافي وتعزيزالهوية والانتماء .
أما الورقة الثانية “التماسك الأسري في مجتمع الإمارات” للدكتور حسين محمد العثمان ، رئيس قسم علم الاجتماع ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة الشارقة والمطروحة بنفس المحور المذكور أعلاه فقد تناول من خلالها قياس مدى تماسك الأسر في إمارة الشارقة وفق محدات علمية كنموذج لقياس التماسك الأسري على مستوى الدولة وتحديد أثر المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للمبحوثين على استجاباتهم في أبعاد التماسك الأسري بالاعتماد على آراء عينة مؤلفة من 1136 مبحوثا استنتج من خلالها بأن الأسر في إمارة الشارقة في مجتمع الإمارات- بشكل عام- أسر متماسكة وقوية ، حيث بلغ معدل نسبة الأسر المتماسكة 56.7% من العينة مقابل 43.3% من الأسر تفتقر إلى التوازن في علاقاتها الأسرية . مؤكداً على وجود علاقات ذات دلالة إحصائية بين متغيرات السعادة الزوجية ، والجنس ، والحالة الزوجية ، والتقييم الذاتي للصحة ، والعمر ، والمستوى التعليمي ، والحالة العملية ، وحجم الأسرة ، ونمط الأسرة ، ووجود الإعاقة في الأسرة والأمراض المزمنة في الأسرة من جهة وبعض أبعاد التماسك الأسري من جهة أخرى . كذلك كشف التحليل عدم وجود علاقات ذات دلالة إحصائية ما بين متغيرات دخل الأسرة ومكان الإقامة للمبحوثين من جهة وجميع أبعاد التماسك الأسري من جهة أخرى . أما بالنسبة للمحور النفسي فقد غطى أ.د راشد السهل/ قسم علم النفس التربوي – كلية التربية جامعة الكويت كيفية تنمية مهارات العلاقات الزوجية بورقة العمل “ التطبيقات العملية للنظرية المعرفية السلوكية في تنمية العلاقة الزواجية” مؤكداً من خلالها ما اثبتته التجارب الحياتية والأبحاث العلمية على مدى العصور بأن نجاح العلاقة الزواجية يتوقف على مدى رعاية وعناية الزوجين للعلاقة بينهما ، داعمين ذلك بمدى حصولهما وإلمامهما بالمعلومات والمهارات اللازمة والمتعلقة بالمحافظة على هذه العلاقة بشكل خاص وزواجهما بشكل عام ، لتنشئة جيل يرقى به المجتمع مستندا على همم وسواعد أبناءه ، وذلك من خلال تعريف الحضور بأهمية دور الزوجين وما يحملانه من أفكار وما يقومان به من أفعال في تنمية علاقتهما الزواجية ، مؤكدا على عدم وجود حل كامل في العلاقة الزواجية وأنها تقوم على المحتوى الفكري عند كل طرف عن نفسه وعن الطرف الآخر ، مشددا على ضرورة التصريح بالمشاعر ، تطبيق مبدأ الحوار الناجح ، عدم السماح بإطالة فترة الخصام بين الزوجين ، وتجديد تنشيط العلاقة الزواجية .
اما بالنسبة للمحور الثقافي فقد تناولت الدكتورة عائشة عبدالله النعيمي من خلال طرحها لموضوع ” الإنترنت والمفاهيم المشتركة للأسرة الإماراتية” مايفرضه تطور أدوار الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت) وتأثيراتها على علاقة الأفراد داخل المجتمعات بتكوينهم الثقافى واتجاهاتهم نحو محيطهم الاجتماعى وقيمهم وموروثهم الفكري والمعرفى حيث تمسي مسألة تحليل هذا التأثير وتفسيره ضرورة بحثية وعلمية ، وربما تبدو المسألة أكثر أهمية عندما يكون تأثير هذا التطور الاتصالى التقني على مجتمعات تتسم بالمحافظة والتقليدية مثل المجتمع الإماراتي . مؤكدة على ضرورة تحليل الدور الذي تلعبه تقنية المعلومات وتطور تكنولوجيا الاتصال وبالتحديد “الإنترنت” في التأسيس لهامش العلاقة الاجتماعية المشتركة داخل محيط الأسرة الإماراتية ، ومدى تأثير التفاعل بين الفرد ووسائل الاتصال المتعددة على تشكيل مفاهيمه ووعيه وتأسيس علاقته ببنية الأسرة التى ينتمى إليها . كما تهدف إلى البحث فى تأثير ذلك التفاعل على خلق إما الترابط الأسري أو خلق التفكك الأسري أو ما يمكن أن يطلق عليه العزلة الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة وذلك من خلال قراءة الآتى :
- العوامل والمتغيرات التى تدفع فئة الشباب إلى اتخاذ وسيلة الإنترنت كبديل لواقعهم الاجتماعى .
- الدور الذى تلعبه الأسرة فى دفع فئة الشباب لتعزيز علاقتهم بوسيلة الإنترنت.
- تأثير هذه العلاقة البديلة فى عملية التفاعل الاجتماعي بين الشباب ومحيطهم الاجتماعي .
وفي نفس المحور تناول الدكتورعلي الشعيبي في طرحه لورقة عمل بعنوان “صورة المرآه في الإعلام العربي” مبتداً بتكريم الله جل جلاله للمرأة من خلال وصفها بأجمل الصفات وهي الرقة والحنان والعاطفة وجاد عليها لتكون نبع ومحتضن الأجيال على مر العصور فجاءت الفضائيات والإعلام ( الهابط منها ) ليمتهن ويقلل من فضائلها من خلال طروحاته عبر الدراما التلفزيونية مثلاً لتخرجها وتقدمها في صور مشوهه ، دون إلقاء الضوء على إنجازاتها في كافة المجالات وإبراز قدرتها على التميز والعطاء ، وتقويم أفضل الإنجازات باعتبارها شريكاً في عملية التنشئة الاجتماعية والنهوض بالمجتمع في كافة المجالات .
وفي الختام تناولت ورقة الأستاذه خوله عبدالرحمن الملا “التماسك الأسري مسؤولية مشتركة” تجربة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة ، اهتمام القيادة بالأسرة ، فكانت الرؤى أسرة متماسكة مستقرة تحتضن الأبناء ويتعلم منها أفرادها معنى الإنتماء والولاء والعطاء ، من خلال مبادرات المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بمختلف إداراته لدعم أواصر الأسره بمختلف فئاتها ، وبمختلف المجالات الثقافية والصحية والاجتماعية والترفيهية ، مستخدماً البرامج الإنمائية والوقائية والإرشادية والعلاجية ، من أجل تحقيق رؤية واحدة وهي الحفاظ على الأسرة وتقوية أواصرها والإرتقاء بأفرادها ليكونوا أكثر مهارة في التعامل مع المشكلات وأكثر قدرة على مواجهة التحديات ، باعتبارها مسؤولية مشتركة تساهم فيها المؤسسات مع الأفراد مع القيادة في التوجيهات واقرار التشريعات .