الملتقى الأسري العاشر – براءتي أمانة ….. فاحفظوها من الخيانة

 تعتبر التنشئة الاجتماعية من أهم العمليات تأثيراً على الأبناء في مختلف مراحلهم العمرية ، حيث يكتسب الأبناء من خلالها العادات والتقاليد والاتجاهات والقيم السائدة في بيئتهم الاجتماعية التي يعيشون فيها ، وعملية التنشئة الاجتماعية تتم من خلال وسائط متعددة ، وتعد الأسرة أهم هذه الوسائط ، حيث تسهم في  تشكيل سلوك الأبناء وبحسب المناخ الاجتماعي الذي تعيش فيه  فالأسرة كنسق اجتماعي تؤثر وتتأثر بالأنساق الأخرى . ومع التغير الاجتماعي والتحديث الذي طرأ في مجتمعنا وأحدث نوعاً من التحول في الكثير من المعطيات الثقافية والموروثات بمختلف أنواعها ، دخل على المجتمع الكثير من المنتجات الثقافية منها الجيد ومنها الرديء .

ومن هنا جاء اختيارنا لموضوع ملتقانا الأسري العاشر”براءتي أمانة فحفظوها من الخيانة” لمناقشة بعض السلوكيات الخاطئة المدفوعة بعوامل اجتماعية ونفسية وثقافية دخيلة ، وليس لتضخيم المشكلة أو تعميم حالات فردية على أنها ظاهرة مخيفة ومخجلة لمجتمعنا بطبعه المحافظ ، ولكن لنتوقف أمام حالات متنوعة وممتدة في أكثر من مكان طمعا في نشر الوعي بين أبناءنا والتحذير من هذه السلوكيات التي تسيء إليهم والى أسرهم ومجتمعهم ، والتأكيد على دور مؤسسات المجتمع في التكاتف للتقليل من أثار هذه السلوكيات .

       وقد شارك في الملتقى المذكور عدد من الاختصاصين في المجالات النفسية والتربوية والقانوية لتغطية الأسباب والمعالجات الواجب اتباعها لحماية ابنائنا من ممارسة أوالتعرض لمثل هذه السلوكيات المنحرفة  ففي الجانب النفسي تناول الدكتور عمر المديفر استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين رئيس قسم الصحة النفسية بمدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض (تحديات في مستقبل الطفولة) موضوع التحر ش الجنسي بالاطفال ابتداء من التطرق للمفهوم العلمي للتحرش ومعرفا إياه بانه كل فعل له إيحاء أو حقيقة جنسية يمارس مع الطفل برضاه أوغير رضاه وأنه ظلم يمارس على الطفل ابتداء من عمر (2-3 ) سنوات أو في عمر المراهقة ، وهذه حقيقة موجودة وبواقع بنت من كل اربع بنات وولد من ستة اوالاد حسب الاحصاءات العالمية مع تفاوت الشدة بالطبع ، ومؤكدا ان الطفل في مجمل الحالات لا يتكلم خوفا أما من أن لايصدق ، أو خوفا من الجاني ، أوخوفا من أن يعاقب هو ، مبيناً أن 90% من حالات التحرش تتم في منزل الاسرة وبواقع (40%داخل الأسرة  ، 50% من شخص قريب يعرفه الطفل ، 10% من الغرباء فئة الخدم والسائقين في دول الخليج ) وموضحاً أن في الغالب يكون الفاعل (المتحرش) شخص قد تعرض للتحرش سابقاً في فترة من فترات حياته وهذا الشيء لا يبعده عن نطاق المسؤلية الإجرامية لممارسة مثل هذه السلوكيات أو الأفعال ، هذا وتتفاوت حدة الاثار الجانبية  التي تقع على الطفل المعتدى عليه بحسب عدة عوامل يمكن تحديدها ب (شخصية الطفل وعمره ، درجة قرابة الفاعل وصلته فكلما كان أقرب كلما كان أصعب ، شدة الفعل وتكراره ، قدرة الطفل على الحديث عنه ، وأخيراالفترة الزمنية للتدخل العلاجي الذي يحصل بعد الفعل ( التحرش) . هذا وقد أشار الدكتور أن الضرر الناشيء عن هذا الفعل الخاطي لا يقع على الطفل فقط وإنما تمتد آثاره لتشمل الأسرة والمجتمع بشكل عام ، ويتثمل الضرر الناتج عن التحرش لأحد أفراد  الأسرة باصابة الأسرة بالقلق بشكل عام بالاضافة إلى اضطراب العلاقات فيما بينها والحيرة في ردود الفعل المتخذة وأخيراً الخوف من المستقبل ، وهذا ينعكس بشكل واضح على المجتمع الذي تنتمي إليه الأسرة ، أما بالنسبة للطفل المتحرش به فيصاب عادة باضطراب ما بعد الصدمة ، والقلق وضعف الثقة بالنفس ، وسلوك جنسي متكرر مصاحب لاضطرابات صحية ، أما في مرحلة بعد البلوغ فيكون رد فعل المعتدى عليه جنسياُ سلبية وتميل للنفور من الجنس وهذا قد يؤثر حتى في مستقبل الشخص المذكور ، أو قد يصاب الطفل المتعرض للتحرش بسلوك جنسي منحرف أو بغائي يجعله يدمن  ممارسة السلوكيات الشاذة . وفي الختام تطرق الباحث لأهم الأعراض التي تظهر على المتحرش به من نوبات الصداع ، واكتئاب (اضطراب ما بعد الصدمة) ، بالإضافة إلى الصعوبات الدراسية واضطرابات الأكل ، منتهية بالفشل المستقبلي بسبب قبول دور الضحية في حالة عدم معالجة الحالة نفسيا والتعافي منها .

          وفي نفس السياق تطرقت الدكتورة هند الرباح رئيس مجلس إدارة مؤسسة أو أن العالمية ضمن ورقة العمل المطروحة من قبلها (تنشة الطفل في بيئة صحية ضمان للطفل) والتي تناولت فيها اهم الطرق العلمية للتربية الحديثة والسلوك المتوقع للطفل خلالها وبحسب خصائص الفئة العمرية له ، مؤكدة خلالها (عرض الدراسة) على أهمية شمول الابناء واحاطتهم بمحبة واهتمام الأبوين ( أومن يقوم بالتنشئة ) كضرورة أساسية لتنشئتهم كأشخاص أسوياء لايعانون من أي فراغ عاطفي يجنح بهم بشكل مباشر أوغير مباشر للتعرض أوممارسة سلوكيات خاطئة أو شاذة ، وعدم الافراط في اطلاق الحريات الزائدة للابناء  من قبل القائمين على التنشئة والاجتهاد في تعلبمهم وتدريبهم على الأسس العلمية الصحيحة في انتقاء واختيارالأفضل وبما يتناسب مع امكاناتهم وقدراتهم في كافة المجالات وبالأخص المجالات الاعلامية باعتبارها المحيط الأوفر لنشر المعلومات  وبغض النظر عن الجودة في الطرح لغياب الرقيب وتنوع اتجاهات القائمين عليها ، وهذا في مجمله يحدو بالباحثة إلى توجيه القائمين على التنشئة على أهمية وضرورة خلق القدوة الصحيحة في سلوكياتهم كمربين من خلال تشجيعهم والإثناء على أفعال أبناءهم الصحية ، ليكونوا مثلا يحتذى به من قبل أبناءهم  .

     أما بالنسبة للجانب القانوني فقد قدمت في هذا السياق ورقتي عمل الأولى للدكتورعبد القدوس عبد الرزاق /مدير الادارة العامة للجودة الشاملة /القيادة العامة لشرطة دبي والمعنونة ب ( الاجراءات القانونية المتخذة ضد قضايا التحرش في الدولة ) موضحاً من خلالها كافة التشريعات والقوانين الخاصة بالتحرش الجنسي بشكل عام وقوانين التحرش بالأطفال بشكل خاص في الدولة وهذا ما يؤكد حرص السادة المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم معالي وزير الداخلية  الشيخ سيف من زايد على ردع ومعاقبة ممارسي هذة السلوكيات وتوعية الأفراد والأسر  بالاجراءات الواجب اتباعها في حال تعرضهم أواحد أفراد أسرهم لمثل هذه الممارسات التي لا تتناسب مع مبادءنا واخلاقنا وعقيدتنا الإسلامية ، وفي ختام ورقة العمل أشار الدكتور عبد القدوش أن وزارة الداخلية في الدولة وبكافة مؤسساتها قد حملت مسؤلية نشر التوعية في هذا المجال ومشيدا بدور ادارتنا والمؤسسات المجتمعية الأخرى في المساهمة والعمل الجاد لنشر الوعي بين الاسر للحد من  مثل هذه السلوكيات .

     فبما تناولت الاستاذة فوزية الملا مدير إدرة سجن النساء / القيادة العامة لشرطة دبي ضمن ورقة عملها (عرض وسائل التوعية بالدولة بالاضافة إلى الاستشهاد بقضايا واقعية / قضايا التحرش بالأطفال داخل الدولة ) الاستشهاد بتجارب واقعية من نزلاء المؤسسات العقابية (السجن) ومن الأسر الذين تعرض أحد ابناءهم لمثل هذه الممارسات  مؤكدة أن %90  من هذه القضايا جاء بسبب غفلة الأسر أو بسسب الإفراط في إعطاء الثقة والاعتماد الكلي على العمالة في البيت من (خدم أو سواق) ، بالإضافة إلى أسباب أخرى منها غياب التحاور مع الطفل وزرع وازع الخوف لديهم وعدم  تصديقهم والثقة بهم مما يحدو بالأطفال إلى اتخاذ الصمت والكبت خوفاً من عدم تصديق الأهل لهم وهذا بحد ذاته يعتبر مدخل الأمراض النفسية والعقد التي تستمر وتكبر مع نموهم مما يزيد من صعوبة معالجتها عند البلوغ ليصبحوا أشخاص غير سوين في المجتمع يمارسون نفس السلوكية الخاطئة (التحرش) كنوع من السخط والانتقام لأنفسهم عما حدث لهم عند الطفولة . خاتمة طرحها بعرض انجازات الإدارات التابعة للقيادة العامة لشرطة دبي في مجال التوعية الأمنية  ضد مثل هذه القضايا من خلال التوعية عن طريق القنوات المرئية والسمعية بالدولة وكذلك حملات التوعية المكثفة داخل المدارس ومجمعات التسوق باعتبارهم الأماكن الأكثر تواجداً للأسر والأبناء .

 وكتطبيق عملي على اهتمام الدولة بشريحة الأبناء بأعتبارهم الاستثمار الأمثل في حياتنا وأساس مستقبل المجتمعات جاءت ورقة عمل الاستاذة عفاف المري رئيس دائرة الخدمات الاجتماعية / إمارة الشارقة  موضوع خط نجدة الطفل كتجربة أولى على مستوى الدولة ودول مجلس التعاون الخليجي مبينة سبب انشاء هذا القسم كأداة لحماية الأطفال المعرضين للمخاطر أوالاعتداء أو الإيذاء بشتى أشكاله وأنواعه  وهو أداة سهلة تتيح لهم التواصل مع المختصين لأبعاد الأذى عنهم وتوفير بيئة آمنه لتنشئتهم وهو خط مجاني  ، موضحة الخدمات التي يقدمها هذا القسم من إيواء إلى مساعدات مالية إلى توفير خدمات استخراج البطاقات الصحية والمعالجة المجانية  والمتابعة التربوية والأسرية من خلال توفير الاستشارات الأسرية والتحويل للجهات المختصة لاثبات الاعتداءات ومتابعة عدم تكرارها .